أرشيف

من يمكنه أن يستفيد أكثر من الدرس؟

بينما كانت الأحداث الجمعة الماضية تتصاعد بشكل متسارع وغير متوقع على ساحات وشوارع مصر العربية حيث خرج الشعب ليهتف بسقوط الرئيس المصري حسني مبارك، حتى وبدا كأن سقوطه أو بالأحرى فراره مسألة وقت، كانت اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العامتعقد اجتماعا استثنائيا هنا في العاصمة اليمنية صنعاء برئاسة الرئيس علي عبدالله صالح لمناقشة الأوضاع واتخاذ القرارات المناسبة إزاءها.
 
ومساء الجمعة ذاتها، صدر بيان اللجنة العامة المسائي متضمناً مجموعة قرارات تنوعت بين تنظيمية واقتصادية وسياسية. ومع أن البيان احتوى 464 كلمة، إلا أن عدد الكلمات التي استقرت في الذاكرة السياسية لم تتجاوز الـ22 كلمة فقط، هي تلك التي شكلتها الجملة التالية: “وانطلاقا مما تقتضيه المصلحة الوطنية فإن اللجنة العامة تدعو إلى مواصلة الحوار في إطار لجنة الأربعة المشكلة بتكليف من فخامة رئيس الجمهورية”.
 
في تلك الأثناء، لم يخالج الكثيرين أدنى شك أن وقائع الانتفاضة المصرية التي بدأت منذ عصر ذلك اليوم، وما زالت تتصاعد بشكل دراماتيكي حتى اليوم، هي التي شكلت تلك اللحظة الفارقة حين سكنت في أذهان المجتمعين مع الرئيس صالح مساء ذلك اليوم التاريخي المهيب. فقرار العودة إلى الحوار في إطار اللجنة الرباعية، كان مطلباً ملحاً تشدد عليه المعارضة ممثلة بأحزاب المشترك منذ أن أصدر بحقها قرار غير معلن أزالها من ذاكرة الحوار بعد أن أدرجت كتلة الحزب الحاكم تعديلات قانوني الانتخابات والدستور إلى مجلس النواب لتبطل بعملها ذاك كافة قرارات التوافق التي توصلت إليها اللجنة الرباعية. بدا وكأن الرئيس وحزبه قد أدركوا حجم الكارثة التي يمكن أن تودي بحزب وأشخاص النظام فيما لو استمرت الأمور تمضي وفق تلك القرارات البطولية التي استهدفت إعادة إنتاج، ليس الحزب الحاكم أو شخوصه في المجلس النيابي فقط، بل شخص رئيس الجمهورية نفسه للبقاء رئيساً مدى الحياة. الرئيس المصري –المحاصر اليوم من شعبه الغاضب من فساده وتسلطه عليه على مدى 30 عاماً مضت– سبق وأن تصرف التصرف ذاته. فهو عوضاً عن أنه لم يحدد فترة الرئاسة بالدستور، عمل مؤخراً على تمليك زبانية حزبه كراسي مجلس النواب دون أن يفكر بعواقب ما فعل. وها هي مقدمات كارثة صنيعه تفاجئ العالم وتهدد 30 عاماً من القوة المبالغ فيها والنفوذ والجاه المستفحل.
 
لا ريب أن هذا النظام لم يعد أمامه سوى أيام قليلة جداً ليعلن سقوطه بشكل كامل كقطعة كريستال أثري عتيق سقطت من علو. وإذا كان الشعب المصري قد استلهم انتفاضته من الثورة التونسية، وهو ما يمكن أن يفتح شهية بقية الشعوب المقهورة، فهل يمكن القول إن ما وصل إليه رئيسنا اليوم، مبني على الاستفادة من خطأ الرئيس المصري ونظامه المنهار؟ في الواقع، يبدو أن المعارضة اليمنية لم تلتفت إلى قرار اللجنة الدائمة الأخير وكأنها غير معنية به مع أنه تضمن ما كانت تلح عليه سابقاً بمطالبة عودة الحوار إلى اللجنة الرباعية.
 
بل أبعد من ذلك، من المؤكد أنها منشغلة جداً بالتحضير لمهرجانها الجماهيري الحاشد المقرر عقده في (3 فبراير) بعد غد الخميس في العاصمة صنعاء.
 
غير آبهة بدعوة لجنة المؤتمر “إلى التهدئة وإيقاف كافة الحملات الإعلامية بين كافة أطراف العمل السياسي وبما يهيئ الأجواء المناسبة لإنجاح الحوار وتنقية مناخات العمل السياسي من أي شوائب من شأنها أن تعكر صفوه وبما يعزز من التآخي والتلاحم والوحدة الوطنية ويخدم المصلحة الوطنية” حسب البيان السابق.

هذا ربما ما جعل الرئيس بالأمس فقط، وبشكل مفاجئ، ينتقل إلى الخطوة التالية بإصداره قراراً جمهورياً (رقم 2 لسنة 2011م) تضمن دعوة مجلسي النواب والشورى لاجتماع مشترك حدد بصباح يوم غد الأربعاء.
 
هذا الاجتماع الذي دعا إليه الرئيس، مستخدماً صلاحياته الرئاسية، قيل أنه “للتشاور حول ما سيعرضه رئيس الجمهورية على الاجتماع المشترك من قضايا ومستجدات تهم الوطن والمواطنين”. تحشد المعارضة بقوة لمهرجان “الخميس الموعود”، تجعل من المرء يتوقع أنه سيكون مهرجاناً فاصلاً. إذ من الواضح أنه سيكون مختلفاً عن بقية مهرجاناته السابقة عدداً وعتاداً (أي من حيث نوعية وسقف المطالب).
 
إلا أن اجتماع مجلسي الشورى والنواب، قد يكون هو الآخر مختلفاً هذه المرة. فالوارد أنه وبحسب نص القرار أن الرئيس سيسعى من خلاله لإعلان قرارات جديدة من المرجح أنها تتعلق بحسم المحاور المختلف حولها مع المعارضة.

وإذا ما تم ذلك فعلاً للرئيس، فإن السؤال المهم هنا هو: هل سيستطيع الرئيس فعلاً قطع نوايا ورغبات المعارضة المستلهمة من ثورتي تونس ومصر دون أن يلجأ لما أقرته اللجنة العامة سراً من مخططات وأساليب لعرقلة مهرجانات المعارضة وفرملة الزخم الشعبي؟ بالنسبة للمعارضة، سيتعلق الأمر بقدرتها على مواصلة التعامل مع خدع وتكتيكات النظام في الوقت الذي باتت فيه تمتلك عناصر قوة أكثر من ذي قبل. الأمر الذي قد يفرض عليها هنا التوقف كثيراً للنظر في النتائج التي سيحملها قرار التوقف عن حشد وتحريك الشارع المستعد اليوم للقيام بما لا يمكنه القيام به لاحقاً.

عبد الحكيم هلال
a.hakeem72@gmail.com
نقلا عن صحيفة المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى